الثلاثاء، 7 مايو 2013

منحوتات الفنان فهد الأزوري بين التجريد و التجسيم و قدسية الخط العربي تحليل سيميولوجي بقلم د. أم البنين السلاوي

مع تحيات الفنان فهد الأزوري منحوتات الفنان فهد الأزوري بين التجريد و التجسيم و قدسية الخط العربي تحليل سيميولوجي بقلم د. أم البنين السلاوي الفنان ابن بيئته من حيث الالتزام و لا وطن له من حيث الشكل أو النوع. مقولة تجعل علاقة الفنان مع بيئته الاجتماعية تظل هي أحد المكونات الجوهرية للنشاط الإبداعي في حقله الفني، حيث يحصل الفنان على كمية كبيرة من المعلومات من بيئته و في فترة تمازجها مع الذات المبدعة يتم صوغها في أشكال فنية جديدة، و بالديمومة و الإضافة يمنح العمل أبعادا تعبيرية و دلالية تتناغم مع رؤيته للعالم من حوله فيصبح يعبر عن حالات إنسانية مشتقة من محيطه ينتج عنها إبداع جميل مأهول بالإلهام... وعلى حد تعبير برجسون : *إن الشيء لا يكون عامرا بالإيحاء لأنه يتصف بالجمال، بل هو يتصف بالجمال لأنه عامر بالإيحاء* من هذا المنطلق نجد الفنان السعودي فهد الأزوري يحيي المناخ التشكيلي و يمنحه أعماقا و أبعادا أكثر سماكة تعكس لحظة انفعاله الوجداني أثناء التكوين أو الخلق الإبداعي، فتزدري جمالية العمل في ما يوحي نصه البصري للمتلقي من خلال الدلائل البصرية التي تجتذبه كلما نظر إليه و كأن شيئا من عالم الملكوت يسكن العمل، يجعله ينغمس في التأمل الذي يتعدى أطوار الكشف العادي، لعله يجد في وعاء فضاء التطلعات الكثيفة ما يهديه للوصول لتأويل شفرة مضمون الرسالة. علاوة على ذلك استخدم فناننا الراقي فهد الأزوري مادة حجر *الجرانيت* القوي التي اختارها لإبداعه بدراية تامة فاستغلها بازدواجية لونيها المتباينين، الغامق المصقول و الفاتح البني الناتج عن ضربات الإزميل و المطرقة، ليقفز بهما من وظيفتهما كمادة بصرية إلى وظيفة رمزية تنتقل فيها الرسالة عبر قوالب يعرفها الجمهور، تجسد أرضية مشتركة أحكم فيها الفنان المعادلة المتوازية المنصهرة بين المضمون و الذات.. بين الأشكال و المرئيات و بين ما يحمله الفنان من معاني دفينة في عقله و وجدانه، و ما يحمله المتلقي من رصيد معرفي يساعده على التأويل و التفاعل. نستنبط مما قدمنا أن الفنان النحات فهد الأزوري كعادته يخاطب الذهن و الوجدان من خلال منحوتاته المميزة ببساطة الأداء الظاهر و المشحونة بالعمق الكمين لفحوى الباطن، يوحي بالتزامه الأكيد لنضاله من أجل وطنه الذي أشار إليه بشكل واضح و بعزم و إصرار في هذه المنحوتة التي نستشف فيها حلمه بجزيرة عربية خصبة كسابق عهدها تمتاز بطبيعة خلابة و جريان أنهار دافقة تروي بسيلها كل الأراضي لتكسيها عشبا و حبا و ريحانا، و تملأها بينابيع تطل من جوانبها أشجار تعطي ثمارها في كل حين، تجيد على أهلها بخير ثمين من الأنعام و الطيور... و كأنها جنة على الأرض. هكذا يرفعنا فهد الأزوري في رحلة الارتقاء الخيالي المتأمل للتشوق لماض سجلته الكتب التاريخية عن الجزيرة العربية فيعيد كتابته بضربات الإزميل و المطرقة على حجر *الجرانيت* في الجزء العلوي من المنحوتة ليرسم خريطة تتكلم عن ماض سحيق جدا جفت أنهاره من قلة المطر و أصابه القحط بعد صراع مستمر من أجل الحياة خربه تخريبا و هذا ما جسده الفنان فهد الأزوري في الكتلة السفلى من العمل ببساطة التكوين و تركيز الفكرة، لكننا نلمح بعض ملامح الاخضرار اللوني في أدنى الكتلة المصابة و كأنها بصيص الأمل، نابع من جهد و إمكان بتحدي الضرر، أو ربما لدعاء إبراهيم عليه السلام تستكن استجابة الرحمن ببريق البقاء. نعود من رحلتنا التضمينية إلى الوصف التعييني لمعالجة المنحوتة فنراها تحيل إلى أيقونة رأس إنسان، و في آن واحد تبدو الكتلة للذهن بشكلها التجريدي العامر بإيحاءاته القوية للمضامين المخفية، و بفضل براعة الفنان فهد الأزوري "التقنية و الفكرية" استطاع المزج في إبداعه بين النمطين ليحيلنا على تأويل الخطاب البصري للمنحوتة المتأرجح بين الكتلة المصقولة، التي أنجزها الفنان بطريقة جد متقنة بارزا قامة الرأس و العنق كعلامة تشيد بالجهود الظافرة و المبذولة في صعود البناء لسمو وطنه. بينما يرمز مؤشر الوجه "كعلامة عرفية" للعز و الشرف، أبدع فيه الفنان بأسلوب تجريدي محض اعتمد فيه على الإحالة الدلالية لما حل بوطنه من ضر الجفاف و التغيرات الطبيعية، مشيرا بتعبير الوجه المغموم الحزين لملامحه المبهمة الدالة على ما تبقى لديه من "حنين لماض يرجو من العلي القدير استرجاعه. ثم نمر بقراءتنا لمنحوتة اخرى من منحوتات الفنان فهد الأزوري المندرجة لنفس الأسلوب و الخامة بعنوان *استوطنتك*.. إنها تحفة فنية تنشر الحقيقة عبر الموجود الذي يصوره الفنان فهو ليس محاكاة للواقع بل تقديم لماهية آهلة بالإيحاء تنقل المتلقي من الرمز إلى الحقيقة عبر نسيج منصهر من الكتل المتراكبة بديباجة جميلة و معبرة. أنتجها الفنان فهد الأزوري في ورشة العمل التي اقيمت في محايل عسير الفن التشكيلي مهرجان أدفاء بالمملكة العربية السعودية التي ينتمي إليها، بصفتها محيطه الاجتماعي المؤثر في نزعاته النفسية. فنستقطب من هذا السياق الذي حققت فيه المنحوتة بصفته جوهر الإيحاءات و المعاني المتخفية من وراءها العلامات التعيينية و التضمينية بمكوناتها و دلالة هذه المكونات، بأن الدلالة الحقيقية للدليل تربط بين الدليل و واقع وعائه التشكيلي و التاريخي. قسم الفنان فهد الأزوري الكتلة إلى أجزاء بسيطة التكوين و الإخراج استعمل فيها مؤشرات معروفة للمتلقي العربي و كل مهتم بالإطار *السوسيو ثقافي*، مستهدفا إبلاغ خطابه البصري الموحى بطرح خطورة معيشية حضارية أشار إليها في اختياره لعنوان عمله الموافق للقضية بإحكام. خصص الجزء الصغير من المنحوتة " بعلامته الجغرافية" ليحيلنا قصدا على تقلص حدود دولة فلسطين مشيرا لها بمؤشر اللون البني الفاتح الذي يدل على الأرض اعتبارا لما تبقى منها لإخواننا الفلسطينيين بينما يحيل الجزء الاكبر القاتم سوادا لعالم مظلم غاب فيه كل لون و لم يبقى سوى الحزن المطلق المربوط بالعار، بدلالته الرمزية على حدود فلسطين الطبيعية التي بادت في يد المحتل، ثم ينطلق الفنان بذهننا لموضع الرأس بذبذبة ظل الكوفية...يبرز فيه طلعة حلقة تدل في شكلها النهائي للمخطط الصهيوني بتقسيماته الاستعمارية المنظمة حسب هواه، صممها الفنان فهد بعلامات مستطيلات عمودية ثم انسجامها مع المحور الوجودي المحاك لتقسيم الأرض. و أخيرا نتوقف أمام الخلفية الأخرى للمنحوتة فنكشف عبرها حركة خط عريض يتوسطها بعمقه، قصد من نقشه الفنان تدوين أيقونة تجهيز طريق يلمح لمحاولة عودة اللاجئين إلى أرضهم المغتصبة، فنستنتج من تحليلنا توافق رؤية الفنان فهد الأزوري المتطلعة في إبرازها لحالات إنسانية متناغمة مع الواقع المرير للقضية المستمدة من معاناة الشعب الفلسطيني المناضل من أجل وطنه و الطامح للعودة بإذن الله.. نستأنف تجوالنا في الحقل الإبداعي المتنوع للفنان القدير فهد الأزوري فتستوقفنا ثماره المحصدة أخيرا، المعطرة بنفحات وجدانية مستلهمة من قدسية الحرف في القرآن الكريم فنراه يرتلها ترتيلا مليحا بجودة و إتقان الخط العربي و الإيقاع اللوني هادفا لجلاء دلالاتهما الرمزية مستعملا مادة الخشب كخامة نبيلة رئيسية لإنجاز مجموعة منحوتاته المصنفة بعنوان "كلمة و حرف من لغتي العربية" تخلق جو نفسي ملائم عند المتلقي و منها على سبيل المثال منحوتة *ن و القلم و ما يسطرون* و *ألم* من سورة الرعد و *حم* من سورة غافر... استعمل الخط العربي المحور بنمط تجريدي كشكل فني صرف يقع في المدى الأوسط بين دلالته اللغوية و دلالته كإشارات و رموز مطلقة تجريدية واعيا *بقدسيته* باعتبار اللغة العربية *كلام الله* فتجلت مأثرته بنقل عشقه للخط إلى مستوى التعبير البصري لإيضاح أبعاد المدلول الروحاني يقول حسن فتحي:" إذا كان نقاد الغرب قد وقفوا عند حدود الشكل في نقدهم للآثار الفنية فذلك لقصورهم عن النفاذ إلى ما بعد الشكل المنظور، من الرمز الذي يكشف عن قوانين الإبداع الإسلامي في البيئة الإسلامية". و من هنا نصل إلى تحديد مرتبة الجمال الروحاني الذي عبر عنه المسلمون الأقدمون بارتباطه باللطف الروحاني و انشقاقه عن المركز الجسدي، فالجمال الروحاني تنجم عنه لذة روحانية فوق حسية، و جمال الظاهر نتذوقه بالرؤية و الحس. و جمال الباطن نتذوقه بالإشراق أو الحدس و قراءة الجمالين تقوم على العقل و الروح و تبقى الإشارة واضحة. بقلم الدكتورة أم البنين السلاوي تطوان- المغرب 18-04-2013

0 التعليقات: